Monday, December 25, 2006

يوم عانقت الريح أول ضوء 3

وفي المساء، وقفت عند حافة النهر... حيث كانا يلتقيان عادة، وحيدة، ضائعة. لم تكن ترى شيئاً بسبب الأمطار في عينيها، وشعرت بالبرد لأول مرة في حياتها. بينما جلس زياد على الأرض بين أربعة جدران يتقبل العزاء، يرثي الحرية والعدالة. ينظر إلى السماء من خلال طاقة صغيرة في الحائط المقابل، ويتساءل
هل سأستطيع الطيران مرة أخرى؟
ملأت الموسيقى الحزينة أرجاء المكان بينما ماتت كلمات الأغنية على شفتيه العريضتين

كانت فرح تعلم أنهم دبروا له تلك المكيدة، لأنه كان شريفاً وكان شرفه يحرقهم، كما يحرق النور الظلمة. ونشبت بداخلها معركة بين الخوف والحزن من جهة، والحياة من جهة أخرى. إذ أن الخوف وهو شعور إنساني، هو في الوقت ذاته العدو اللدود للحياة
شعرت أن شيئاً ما يريد أن يسلبها الحياة، فدافعت عن الحياة حتى الموت. قامت بأشياء لم تعرف أبداً أنها تستطيع القيام بها. كانت مستعدة حتى للموت من أجل زياد... يومها فقط فهمت أشياء كثيرة، يومها فقط فهمت معنى موت المسيح، وقول الحلاج
"الصلاة في العشق ركعتان، شرط أن يتم الوضوء بالدم"
فهمت أن الحب هو أن تفكر في كل صباح عندما تستيقظ فيما ستقدمه في ذلك اليوم لمن تحب، وليس فيما ستأخذه منه


في اليوم الخامس خرج زياد. خرج وضحكت هي من جديد. لم تكن تلك الفترة بعد خروجه باليسيرة، ذات يوم ذهبا معاً ليقضيا عطلة نهاية الأسبوع عند صديق لهما، وعندما همت بإيقاظه من النوم، قام مفزوعاً، أما هي فهرعت إلى الشرفة مخبأة دموعها. كانت تخشى أن تؤثر تلك الحادثة على زياد لفترة طويلة

ولكن الغريب في الأمر، أنه وبرغم اهتمامها المتزايد بزياد خاصة بعد تلك التجربة المريرة، إلا أن شيئاً غريباً كان يدفعها للتفكير في يسري! كان يسري يعمل في مجال حقوق الإنسان، كانت قضيته الوحيدة هي حرية الإنسان وسعادته، وكان الإنسان كنز ثمين في عينيه. كان يؤمن أن في أعماق الإنسان نور سرمدي مثل ذلك النور في عيني الله، حتى أن أعظم الأشياء، بل وحتى أعظم الخطايا لا تستطيع أن تطفئ ذلك النور. ربما ما حدث لزياد جعلها تتذكر كل ذلك، جعلها تتذكر يسري. في الواقع هي لم تنسه للحظة واحدة.
أما زياد فكان يدرك أن هذا اليوم سيأتي حتماً. كان يفهمها، كان يخشى ذلك اليوم ولكنه كان قد تعلم أن في الحب لا نمتلك الآخر، وأن الجدول الصغير يعرف إنه في نهاية الطريق سيغرق في البحر ولكنه لا يخشي أن يمضي للأمام من أجل تلك البنفسجات الصغيرات اللواتي تنتظرنه بلهفة على حافتيه. ومرة أخرى تغيرت صلاته، إذ لم يعد يقول "أنا محبوب"، أصبح يقف عارياً في الشمس، ويصرخ في صمت
"قلبي مستعد، قلبي مستعد"

شعرت بالتعب، في أحد الأيام بكت كثيراً وقالت " أشعر كأني أحيا حياة شخص أخر... كأني شجرة نُزعت من جذورها، ومن رغبتها في تقبيل السماء". لم تعد تستطع التحدث إلى أحد، ولا حتى زياد. كانت بحاجة إلى شخص مختلف تتحدث إليه، شخص تستطيع أن ترتمي على صدره مثل طفل صغير.

1 comment:

bluestone said...

ربما لم يكن ينبغي ان اعلق حتى انتهاء الرواية .. ولكن لم اتمكن من ان امنع نفسي من التوقف طويلا أمام هذه الجملة التي نفذت إلى اعماقي كالسهم ..

(في أعماق الإنسان نور سرمدي مثل ذلك النور في عيني الله، حتى أن أعظم الأشياء، بل وحتى أعظم الخطايا لا تستطيع أن تطفئ ذلك النور.