
مقدمة
يستطيع هذا النص، بالرغم من كونه نصاً كنسياً، أن يكون ملهماً للمسيحيين وغير المسيحيين، إذ أن الهدف الأساسي من النص هو خدمة الخير العام وخير المجتمع.
هذا النصّ مأخوذ عن: رسالة بطاركة الشرق الكاثوليك التاسعة " شباب اليوم، كنيسة الغد"، عام 2006، الفقرة 46
السياسة هي فنّ خدمة الشخص والمجتمع. هدفها تأمين الخير العام والعمل على صيانته وإنمائه، وإحلال العدالة الاجتماعيّة، والدفاع عن الحرّيات والعمل على أن تكون تعبيرًا، في الحقّ والمحبّة، عن نزعة الإنسان الطبيعيّة إلى تحقيق ذاته وبلوغ كماله وتأمين خير مجتمعه. فالعمل السياسيّ، في هذا المفهوم، عمل يليق بالإنسان وينمّيه، وتعاطي السياسة أمرٌ ليس فقط مستحبًّا بل هو أيضًا واجب.
غير أنَّ السياسة، في كثير من الأحيان والأمكنة، تتّخذ معنًى آخر، ينحرف بها عن غايتها، التي هي خدمة «الآخر»، ويعود بها إلى خدمة «الذات». أي إنَّها تمسي سعيًا إلى المصلحة الشخصيّة وتخلّيًا عن الخير العام. فمن البديهيّ، في هذه الحال، أن يبتعد كثيرون عن السياسة ويفقدوا اعتبارهم لأربابها.
الشابّات والشبّان مدعوّون إلى الدخول في مجال السياسة لخدمة الخير العامّ. يدعوهم إلى ذلك الإنجيل المقدّس، لأنَّه يدعو إلى الخدمة والمحبّة. تفشِّي الفساد أو الخوف من الفساد يجب ألاّ يكون ذريعة لازدراء هذا المجال وترك العمل فيه لآخرين. إن كان في هذا المجال فساد أو كان فيه فراغ، فلا بُدَّ من مصلحين يملأون الفراغ فيخدمون كما يجب أن تكون الخدمة. المسيحيّ مدعوّ دائمًا إلى الشهادة للحقّ والمحبّة. والعلمانيّون المؤمنون بالمسيح يحملون هذه الشهادة لكلَّ إنسان وللمجتمع كلِّه. فهم الخميرة التي لا تبقى منزوية، بل توضع في عجينة النظام الزمنيِّ لتخمّره بروح الإنجيل.
والعمل السياسيّ لا يكون إلاّ جماعيًّا وتضامنيًّا. لذلك تنشأ التجمُّعات السياسيّة والأحزاب.
المواقف والنشاطات السياسيّة متعدّدة ومتنوّعة. ومن ثمّ لا بُدَّ من سلطة تضبطها، مبنيّة على مبدأ احترام الحرّيات، قادرة على التنسيق بين الجميع لخدمة الخير العام. وليس من المحتَّم أن تكون العلاقة بين رجال السياسة وبين الأحزاب المختلفة علاقة صراع يحول دون تحقيق الصالح العام. بل يجب أن تكون علاقة منافسة شريفة من أجل الخدمة وخير جميع المواطنين.
السلطة خدمة. ولا يجوز لمن أراد أن يتولاّها أن يستعمل، لبلوغها أو للاحتفاظ بها، وسائل غير شريفة وطرقًا غير شرعيّة. فالغاية الصالحة لا يمكن بلوغها بوسائل ملتوية وفاسدة، لأنَّ الغاية لا تبرِّر الوسيلة. ولأنَّ الوسيلة جزء من الغاية، ولا يمكن الفصل بينهما. ويسوع قال إنَّه الغاية والوسيلة معًا لمَّا قال إنّه الحقّ والحياة، وإنّه أيضًا الطريق إلى الحق والحياة.
العلمانيّون المسيحيّون شهود للمسيح ولكنيسته. وإذا تعاطَوْا السياسة ومارسوا السلطة بروح الإنجيل فهم يحملون مسؤوليّة تصرُّفاتهم دون أن يُلزِموا الكنيسة. لأنَّ الكنيسة تعانق كلَّ أبنائها في أيّة جماعة أو حزب كانوا. هي نفسها ليست حزبًا ولا ترضى بأن تحصر نفسها في أي حزب كان. وتريد أن تكون للمسيحيّين الملتزمين في حقل السياسة أو في ممارسة السلطة، بمثابة الضمير الذي ينبِّه والذي يوجِّه إلى الفضائل والقِيَم التي يجب أن تحكم تصرُّفاتهم ومسؤوليّاتهم.
إنَّ قيام الجمعيّات أو الأحزاب السياسيّة أمر صالح وضروريّ. وكلُّ مسيحيّ علمانيّ مدعوٌّ إلى الانخراط فيها أو إلى دعمها بالوسائل المناسبة.
السياسة فنّ ومسؤوليّة، وبالتالي تحتاج إلى تنشئةٍ مناسبة للقيام بها على أفضل ما يكون. لأجل ذلك نحثّ أبناءنا الشبّان والشابّات على إعداد أنفسهم الإعداد المناسب لها. ومن جهة أخرى، يجب أن يتابعوا تطوَّر الأحداث الوطنيّة والدوليّة، ليعمِّقوا معرفتهم وفهمهم للأمور، قبل أن يصدروا الأحكام في الأشخاص أو الأوضاع السياسيّة عامّة. وعندما تحين الساعة، يجب أن يكونوا مستعدّين لتحمُّل المسؤوليّات السياسيّة إذا ما دعاهم الواجب إلى خدمة مجتمعهم ووطنهم.
No comments:
Post a Comment