
من شهرين بالظبط كتبت تدوينة بعنوان "الفوضى". وقتها كان في شباب كتير في مصر بيقول على اللي بيحصل في ميدان التحرير فوضى، وكانوا بيقولوا إن المظاهرات دي بتهدد استقرار مصر. ومع إني ماكنش عندي أدنى شك في وطنية الناس اللي بتطالب بالاستقرار، إلا إني كنت متأكد من عدم ادراكهم للعلاقة بين التعذيب والفقر والبطالة وسوء التعليم وكل مشاكلنا اللي بنعاني منها من ناحية، والمسئولية السياسية عن كل المشاكل دي من ناحية تانية. والأخطر من كده، هو عدم ادراك بعضهم بوجود المشاكل دي أصلاً.
النهاردة بنسمع نفس المصطلحات في سوريا: الاستقرار، الفوضى، البلطجية، الشبيحة، العملاء، الأجندات الأجنبية... الحاجة الوحيدة اللي ماسمعتهاش في سوريا هي "كنتاكي" وبصراحة مش عارف إذا كان في كنتاكي أصلاً في سوريا ولا لأ. ولأني ماقدرش أدّعي إني باعرف القطر السوري كويس ولأن الناس بدأت تتكلم عن مشاكل طائفية وحاجات تاريخية أنا ماعنديش عنها معرفة كافية، فقررت إني ألتزم الحياد – مع إني في الأصل مع كل حركات التحرّر في المنطقة العربية – وأسيب لأصدقائي السوريين اللي باثق فيهم مهمة الكتابة. لكن في الحقيقة في سؤال بديهي جداً مسيطر عليَّ: مازال في ناس كتير وأولهم النظام نفسه مقتنعين إن اللي بيحصل ده فوضى، وإن إحنا عايشين ازهى عصور الاستقرار، يبقى ليه في قانون طوارئ متطبق من حوالي 40 سنة ؟؟؟!! ما هو قانون الطوارئ ده في الأساس بيتطبق – في البلدان العادية – لما يكون في حالة عدم استقرار! لكن احنا بلادنا والحمد لله فيها استقرار، يبقى ايه بقى لازمة قانون الطوارئ؟ وايه لازمة ان كل حاجة محتاج اعملها لازم اخد تصريح من الأمن؟ وإيه لازمة إن كل مرة أروح فيها سوريا ييجي راجل بشنب وجاكت جلد ويقعد يسألني: اسم امك إيه؟ وأبوك الله يرحمه ما ادري إيه...؟! وإيه لازمة إن مثقفين ومدونين وأطفال يكونوا معتقلين في السجون؟ مازال احنا عايشين في استقرار، ليه الخوف محاوطنا من كل ناحية؟
دلوقتي اللي عايز ينزل الشارع ينزل، واللي عايز يقعد في البيت يقعد. أنا زي ماقلت ماعنديش انحياز معين لأني ماعنديش كل الحقيقة. لكن الحقيقة الوحيدة اللي متاكد منها هي إنه: لو اللي احنا كنا عايشينه السنين اللي فاتت ده فوضى، يبقى لازم تتحرك علشان الاستقرار اللي انت بتدور عليه. ولو اللي احنا كنا عايشينه السنين اللي فاتت ده هو الاستقرار- استقرار مدعوم بالطوارئ، وبصرخات الناس اللي مالهاش صوت، وبدم ناس بريئة – يبقى برضه لازم تتحرك علشان تلاقي استقرار حقيقي، وعلشان تعيش في الحقيقة مش في الكذب.